البساط: لا نهوض اقتصادي إذا لم تنجح الدولة في استعادة هيبتها

البساط: لا نهوض اقتصادي إذا لم تنجح الدولة في استعادة هيبتها -- Aug 26 , 2025 14

في ظل التحولات التي يشهدها لبنان مع بداية العهد الجديد، تبرز تحديات كبرى على المستويين الاقتصادي والسياسي. وفي هذا السياق، يؤكد وزير الاقتصاد، عامر البساط، أن مسار النهوض يبدأ بإعادة هيكلة شاملة للقطاعات الاقتصادية والمالية، لكنه يشدّد في الوقت نفسه على أن أي خطة للإنقاذ لن تنجح إذا لم تقترن باستعادة الدولة هيبتها وسيطرتها الكاملة على الأمن والحدود.


«هوس» وزير الاقتصاد عامر البساط بالشأن العام اللبناني، كان الدافع وراء عودته إلى لبنان بعد نحو أربعة عقود من الاغتراب، هذا ما قاله في حديثه إلى صحيفة «نداء الوطن»، مؤكدا أنّ قبوله تولي حقيبة الاقتصاد جاء نتيجة إحساسه بالألم العميق حيال ما يعانيه الوطن، وإيمانه بضرورة إحداث تغيير فعلي.

واعتبر البساط، أنّ المرحلة التي مرّ بها لبنان في السنوات الأخيرة كانت «غريبة وغير طبيعية»، لكنه شدّد على ثقته بمستقبل البلد «خصوصًا مع العهد الجديد، ووجود نية حقيقية للتطوير وتخطّي المرحلة السابقة لدى أركان الحكومة والمجتمع اللبناني معًا»، منوّهًا برؤية الرئيس نواف سلام «وصلابته في مواجهة التحديات».

وأوضح البساط أنّ الأزمة الراهنة ليست حالة فريدة، بل إنّ دولًا أخرى واجهت ظروفًا مالية واقتصادية مشابهة. ورأى أنّ أبرز مشكلات لبنان تكمن في قطاع مصرفي مضغوط يحتاج إلى إعادة هيكلة، وقطاعات اقتصادية أساسية متدهورة كالكهرباء مثلًا، إلى جانب سياسة مالية متعثّرة في القطاع العام وغياب الرقابة الفاعلة على المؤسسات الاقتصادية.

وشدّد على أنّ مواجهة هذه التحديات تتطلب الجمع بين الإلمام بالتفاصيل التقنية والحسّ السياسي، لأنّ «المقاربات النظرية وحدها لا تكفي إذا لم تقترن بفهم الواقع السياسي والطائفي والمناطقي المعقّد»، معتبرًا أن المدخل الأساس للحل يبدأ من خلال «إعادة هيكلة شاملة للقطاعات الاقتصادية، وحلّ معضلة المالية العامة، وتأمين إيرادات جديدة للدولة، ومعالجة المؤسسات المهترئة، إلى جانب ملف التعيينات، وإنشاء الهيئات الناظمة، وحلّ أزمة الكهرباء».


أضاف أنّ هذه الملفات تحتاج إلى قرارات سياسية حاسمة، لكنه أبدى تفاؤله بإطلاق خطة طويلة المدى «تُوضع فيها كل هذه العناوين على السكة الصحيحة، حتى لو استغرق التنفيذ وقتًا».

ارتباط الإصلاح الاقتصادي بالأمن
حول أثر السلاح غير الشرعي على مسار التعافي، شدّد البساط على أنّ «الازدهار مستحيل من دون إصلاح سياسي يوازي الإصلاح الاقتصادي». وأوضح أنّ أي خطة للنهوض المالي أو لجذب الاستثمارات تبقى حبرًا على ورق إذا ظلّ عنصر الأمن هشًا، أو إذا استمرّت الدولة عاجزة عن فرض سلطتها على كامل أراضيها.

أضاف: «لن يكون هناك اقتصاد فعلي إذا لم تُضبط الحدود بشكل صارم ويُمنع التزوير والتهريب وتجارة المخدرات، لأنّ هذه الممارسات لا تستنزف المالية العامة فحسب، بل تدمّر سمعة لبنان التجارية وتُفقده ثقة المجتمع الدولي». واعتبر البساط أنّ إعادة هيبة الدولة تبدأ من خلال احتكارها وحدها قرار السلاح والأمن، بما يعيد الثقة إلى الداخل ويُطمئن الخارج، خصوصًا الدول العربية والمجتمع الدولي الذي يشترط بسط السيادة قبل أي التزام بالمساعدات أو الاستثمارات.

وأشار البساط إلى أنّ التجارب السابقة أثبتت أنّ النمو الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق في بيئة «أمنية مفخّخة»، مستشهدًا بما جرى في دول عديدة في المنطقة من ركود وتراجع استثماري بسبب غياب الاستقرار. «فالإصلاحات الاقتصادية مهما كانت ضرورية وعاجلة، تبقى بلا جدوى إذا لم تقترن بإصلاح سياسي شامل يضع حدًا للسلاح غير الشرعي ويكرّس سلطة الدولة كمرجعية وحيدة».


ملف «مليء بالشوائب»
تطرّق البساط إلى ملف المولدات الخاصة، واصفًا إياه بأنّه «مليء بالشوائب» وبعيد كل البعد عن أي معايير تنظيمية واضحة. وأوضح أنّ هذه السوق نشأت كحلّ موقّت في ظل عجز الدولة عن تأمين الكهرباء، لكنها تحوّلت مع الوقت إلى قطاع موازٍ قائم في حد ذاته، تتحكّم فيه شبكات مصالح خاصة على حساب المواطن.

ولفت إلى أنّ آلاف العائلات اللبنانية ترزح تحت كلفة الاشتراك الشهري الباهظة، في ظل غياب رقابة حقيقية على التسعيرات التي تحدّدها «كارتيلات المولدات»، بما يضاعف الضغط الاقتصادي والاجتماعي على المواطنين. أضاف أنّ «الدولة ملزمة باستخدام صلاحياتها الأمنية والقضائية، بالتعاون مع البلديات، لفرض الشفافية والتسعيرة العادلة، وضبط هذا القطاع الذي لا يمكن تركه أسير الفوضى أو الاستنسابية».

المصارف وأموال المودعين
وفي ملف إعادة هيكلة المصارف واستعادة أموال المودعين، أشار البساط إلى أنه تم تقسيم الموضوع إلى 3 خطوات، بدءًا من رفع السرية المصرفية، التي تعتبر إنجازًا كبيرًا بعدما كانت من المحرمات منذ زمن طويل. إلى جانب قانون إعادة هيكلة المصارف الذي يشكل الإطار القانوني والإداري والمالي لكيفية إعادة الهيكلة، وتضمين القانون أولوية حماية المودع الذي أصبح محميًا في القانون، كما على الدولة تحمّل مسؤوليتها اليوم من دون اللجوء إلى الاستدانة أو رفع الضرائب على الشعب. واعتبر البساط أنه من المهم إعادة الملاءة لمصرف لبنان من دون تحميله الكثير من الأعباء، والأمر نفسه ينطبق على المصارف اللبنانية، أي أنه يجب الأخذ بالاعتبار قدرة الدولة ومصرف لبنان والمصارف اللبنانية على التحمل.


المفاوضات مع صندوق النقد
عن مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي وعمّا إذا كانت هناك شروط جديدة لم يعلن عنها بعد، كشف البساط، أن النقاشات مع الصندوق، تتطلب عدة جولات، وأنه تم عقد 5 جولات مع الصندوق، مشيرًا إلى أنه من المتوقع أن يعود وفد الصندوق إلى لبنان في أيلول المقبل، وأن الاجتماعات الخمسة تأتي في إطارها الطبيعي، خصوصًا في ملفات معقدة كملفات لبنان. وأكد البساط، أن هناك تطورًا في بحث الملفات مع الصندوق، حيث لا يوجد أي فيتو، مشيرًا إلى أن العمل يجري على عدة ملفات حققت تقدمًا ملحوظًا، منها القطاع المالي والمالية العامة واليوروبوندز، في ظل ارتياح الصندوق في ما خص تطور المالية العامة. كما ويجري البحث، بحسب البساط، في ملف السياسات النقدية والملفات القطاعية، حيث يسأل الصندوق دائمًا عن ملف الكهرباء والهيئات الناظمة، مؤكدًا ان صندوق النقد لا يملي شروطًا على لبنان، بل يعرض مقترحات يمكن للبنان عدم تنفيذها في حال عدم اقتناعه بها أو لا تصب في المصلحة الوطنية. ولفت إلى أن موضوع العقوبات لا يندرج ضمن الملف الاقتصادي، بل يأتي في إطار الأمور السياسية على مستوى الحكومات، مشيرًا إلى أن اللائحة الرمادية ترتبط بما سيفعله لبنان بالاقتصاد النقدي وموضوع الحدود وتبييض الاأموال وغيرها من المواضيع. ويرى البساط أن الجولة المقبلة من المحادثات مع الصندوق في أيلول، لن تكون الأخيرة بل ستليها جولات لاحقة، لأن المواضيع الجاري بحثها معقدة وهي بحاجة للمزيد من النقاشات، والاطلاع على مئات الصفحات من البيانات والقوانين. وكشف أن الخطوة اللاحقة ستكون في تشرين الأول المقبل خلال الاجتماعات السنوية، حيث ستعقد جولة أخرى، معربًا عن اعتقاده بأن النقاشات ستنتهي في ذلك التاريخ، مؤكدًا حدوث تقدم إيجابي في الجولات والنقاشات.


الذهب خط أحمر
أما عن النقاش الدائر بشأن احتياطي الذهب، فأكّد البساط أنّ لهذا الاحتياطي «أهمية استراتيجية في تغطية الاقتصاد اللبناني»، موضحًا أنّه يشكّل عنصر ثقة أساسيًا للبنان تجاه الداخل والخارج، ويمثل صمام أمان ماليًا في ظل الانهيار القائم. ورأى أنّ مسألة التسييل «سياسية بامتياز»، وليست تقنية بحتة، معتبرًا أنّ فتح هذا الملف في الظروف الراهنة سيعني تعريض أحد آخر أعمدة الثقة المتبقية في الاقتصاد اللبناني للاهتزاز.

ونفى بشكل قاطع ما يُشاع عن استعداد الحكومة سرًا لتسييل جزء من الذهب بغطاء من صندوق النقد الدولي، واصفًا هذه الأقاويل بأنّها «إشاعات ونظريات مؤامرة»، لافتًا إلى أنّ أي خطوة من هذا النوع تستوجب تعديل قانون 42/1986 الذي يمنع التصرّف بالذهب إلا بقرار من مجلس النواب.

وأشار إلى أنّ الأولوية ليست في التفكير بتسييل الذهب، بل في «تنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية المطلوبة، واستعادة الثقة تدريجيًا عبر بناء مؤسسات قوية، ما يتيح حماية هذه الثروة بدل المساس بها».

وأشار البساط إلى أنّ الاستثمار الحقيقي للبنان يكمن في «شعبه وعقول شبابه، بالإضافة إلى موقعه الجغرافي وانتشار مغتربيه ودور القطاعات المختلفة». وذكّر بما كان قد صرّح به سابقًا عن أنّ «الرأسمال البشري اللبناني هو أعظم ثروة يمكن البناء عليها لإعادة إنعاش الاقتصاد».


نحو انفتاح عربي ودولي
يرى الوزير البساط أنّ خيار لبنان الاستراتيجي يكمن في «العودة إلى الحضنين العربي والدولي»، رغم العوائق السياسية الراهنة، معربًا عن تفاؤله بأن هذا المسار سيتعزّز تدريجيًا، مشيراً إلى استعداد دول عربية وأوروبية لمساعدة لبنان. كما ولفت إلى أن نمو الاقتصاد السوري سينعكس إيجاباً على لبنان بفعل الترابط الاقتصادي بين البلدين، خاصة في قطاعات البناء والهندسة والإعلام والمصارف.

وختم البساط حديثه، بوضع خارطة طريق واضحة: إصلاح مالي واقتصادي عميق، مقترن بإصلاح سياسي يعيد هيبة الدولة وسلطتها.

«أراهن على قدرات اللبنانيين وانتشارهم في العالم، واستعادة الثقة محليًا ودوليًا تبدأ من الداخل عبر سياسات شفافة، واقتصاد منتج، ودولة قوية تحتكر وحدها الأمن والقرار».

جوزيان الحاج موسى - نداء الوطن

أقرأ أيضاَ

مياه الوزاني: لبنان يهب العدو 300 مليون دولار سنوياً

أقرأ أيضاَ

قطاع في لبنان.. بين الفوضى والمخاطر على المواطنين